الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **
لما هلك عبد المؤمن أخذ البيعة على الناس السيد أبو حفص لأخيه أبي يعقوب باتفاق من الموحدين كافة ورضي من الشيخ أبي حفص خاصة واستقل في رتبة وزارته ورجعوا إلى مراكش. وكان السيد أبو حفص هذا وزيراً لأبيه عبد المؤمن استوزره عند نكبة عبد السلام الكومي فرجعه من إفريقية سنة خمس وخمسين. وكان أبو العلى بن جامع متصرفاً بين يديه في رسم الوزارة إلى أن هلك عبد المؤمن فأخذ أبو حفص البيعه لأخيه أبي يعقوب. ثم هلك إثر وفاة عبد المؤمن ابنه السيد أبو الحسن صاحب فاس والسيد أبو محمد صاحب بجاية في طريقه إلى الحضرة. ثم استقدم أبو يعقوب السيد أبا سعيد من غرناطة سنة ستين فقدم ولقيه السيد أبو حفص بسبتة. ثم سرح الخليفة أبو يعقوب معه أخاه السيد أبا حفص إلى الأندلس في عساكر الموحدين لما بلغه من إلحاح ابن مردنيش على قرطبة بعد أن احتشد معه قبائل العرب من زغبة ورياح والاثبج فاجتاز البحر وقصد ابن مردنيش وقد جمع جموعه وأولياءه من النصارى. ولقيهم عساكر الموحدين بفحص مرسية فانهزم ابن مردنيش وأصحابه وفر إلى مرسية ونازله الموحدون بها ودوخوا نواحيه. وانصرف السيد أبو حفص وأخوه أبو سعيد سنة إحدى وستين إلى مراكش وخمدت نار الفتنة من ابن مردنيش. وعقد الخليفة على بجاية لأخيه السيد أبي زكريا وعلى إشبيلية للشيخ أبي عبد الله بن إبراهيم. ثم أدال منه بأخيه السيد أبي إبراهيم وأقر الشيخ أبا عبد الله على وزارته. وعقد على قرطبة للسيد أبي إسحاق وأقر السيد أبا سعيد على غرناطة ثم نظر الموحدون في وضع العلامة في المكتوبات بخط الخليفة فاختاروا: الحمد لله وحده لما وقفوا عليها بخط الإمام المهدي في بعض مخاطباته فكانت علامتهم إلى آخر دولتهم. فتنة غمارة وفي سنة اثنتين وستين تحرك الأمير أبو يعقوب إلى جبال غمارة لما كان ظهر بها من الفتنة التي تولى كبرها سبع بن منغفاد منهم. وناغاهم في الفتنة صنهاجة جيرانهم فبعث الأمير أبو يعقوب عساكر الموحدين لنظر الشيخ أبي حفص ثم تعاظمت فتن غمارة وصنهاجة فخرج إليهم بنفسه وأوقع بهم واستأصلهم وقتل سبع بن منغفاد وانحسم داؤهم وعقد لأخيه السيد أبي علي الحسن على سبتة وسائر بلادهم. في سنة ثلاث وستين اجتمع الموحدون على تجديد البيعة واللقب بأمير المؤمنين وخاطب العرب بإفريقية يستدعيهم إلى الغزو ويحرضهم. وكتب إليهم في أخبار الأندلس لما استوسق الأمر للخليفة أبي يعقوب بالعدوه وصرف نظره إلى الأندلس والجهاد واتصل به ما كان من غدر العدو دمره الله بمدينة ترجالة. ثم مدينة يابرة ثم حصن شبرينة ثم حصن جلمانية إزاء بطليوس ثم مدينة بطليوس فسرح الشيخ أبا حفص في عساكر من الموحدين احتفل في انتقائهم. وخرج سنة أربع وستين لاستنقاذ بطليموس من هوة الحصار فلما وصل إلى إشبيلية بلغه أن الموحدين ببطليوس هزموا ابن الرنك الذي كان يحاصرهم بإعانة ابن أذفونش. وأن ابن الرنك تحصل في قبضتهم أسيراً وفر جراندة الجليقي إلى حصنه فقصد الشيخ أبو حفص مدينة قرطبة وبعث إليه إبراهيم بن همشك من جيان بطاعته وتوحيده ومفارقته صاحبه ابن مردنيش لما حدث بينهما من الشحناء والفتنة فألخ عليه ابن مردنيش بالحرب وردد إليه الغزو فبعث إلى الشيخ أبي حفص بطاعته. وكتب الشيخ أبو حفص بذلك إلى الخليفة وبما كان من عيث النصارى بجوانب الأندلس فسرح أخاه ووزيره أبا حفص في عسكر الموحدين فنهض من مراكش سنة خمس وستين وفي جملته السيد أبو سعيد أخوه فوصل إغغشبيلية وبعث أخاه أبا سعيد إلى بطليموس فعقد الصلح مع الطاغية وانصرف ونهضوا جميعاً إلى مرسية ومعهم ابن همشك فحاصروا ابن مردنيش. وثار أهل لورقة بدعوة الموحدين فملكها السيد أبو حفص. ثم افتتح مدينة بسطة وطاع ابن عمه محمد بن مردنيش صاحب المرية فحص بذلك جناحه. واتصل الخبر بالخليفة بمراكش وقد توافت عنده جموع العرب من إفريقية صحبة السيد أبي زكريا صاحب بجاية والسيد أبي عمران صاحب تلمسان وكان يوم قدومهم عليه يوماً مشهوداً فاعترضهم وسائر عساكره ونهض إلى الأندلس. واستخلف على مراكش السيد أبا عمران أخاه فاحتل بقرطبة سنة سبع وستين. ثم ارتحل بعدها إلى إشبيلية ولقيه السيد أبو حفص هنالك منصرفاً من غزاته. وكان ابن مردنيش لما طال عليه الحصار ارتاب ففتك بهم وبادر أخوه أبو الحجاج إلى الطاعة وهلك هو في رجب من هذه السنة. ودخل ابنه هلال في الطاعة وبادر السيد أبو حفص إلى مرسية فدخلها وخرج هلال في جملته وبعثه إلى الخليفة بإشبيلية. ثم ارتحل الخليفة غازياً إلى بلاد العدو فنازل وبدة أياماً وارتحل عنها إلى مرسية. ثم رجع إلى إشبيلية سنة ثمان وستين واستصحب هلال بن مردنيش وأصهر إليه في ابنته وولى عمه يوسف على بلنسية وعقد لأخيه السيد أبي سعيد على غرناطة. ثم بلغه خروج العدو إلى أرض المسلمين مع القومس الأحدب فخرج للقائهم وأوقع بهم بناحية قلعة رباح وأثخن فيهم ورجع إلى إشبيلية وأمر ببناء حصن بالقلعة ليحضن جهاتها وقد كانت خراباً منذ فتنة ابن حجاج فيه مع كريب بن خلدون بمورة أزمان المنذر بن محمد وأخيه عبد الله من أمراء بني أمية. ثم انتقض ابن اذفونش وأغار على بلاد المسلمين فاحتشد الخليفة وسرح السيد أبا حفص إليه فغزاه بعقر داره وافتتح قنطرة السيف وهزم جموعه في كل جهة. ثم ارتحل الخليفة من إشبيلية راجعاً إلى مراكش سنة إحدى وسبعين لخمس سنين من إجازته إلى الأندلس وعقد على قرطبة لأخيه الحسن وعلى إشبيلية لأخيه علي وأصاب مراكش الطاعون فهلك من السادة أبو عمران وأبو سعيد وأبو زكريا وقدم الشيخ أبو حفص من قرطبة فهلك في طريقه ودفن بسلا. واستدعى الخليفة أخويه السيدين أبا علي وأبا الحسن فعقد لأبي علي على سجلماسة ورجع أبو الحسن إلى قرطبة وعقد لابني أخيه السيد أبي حفص: لأبي زيد منهما على غرناطة ولأبي محمد عبد الله على مالقة. وفي سنة ثلاث وسبعين سطا بوزرائه بني جامع وغربهم إلى ماردة. وفي سنة خمس وسبعين عقد لغانم بن محمد بن مردنيش على أسطوله وأغزاه مدينة الأشبوبة فغنم ورجع. وفيها كانت وفاة أخيه السيد الوزير أبي حفص بعدما أبلى في الجهاد وأبلغ في نكاية العدو. وقدم ابناه من الأندلس وأخبرا الخليفة بانتقاض الطاغية واعتزم على الجهاد وأخذ في استدعاء العرب من إفريقية. كان علي ابن المعز ويعرف بالطويل من أعقاب بني الزند ملوك قفصة قد ثار سنة خمس وتسعين كما ذكرناه في أخبارهم. وبلغ الخليفة خبره فنهض إليه من مراكش وصار إلى بجاية وسعى عنده بعلي بن المنتصر الذي كان عبد المؤمن استنزله من قفصه أنه يواصل قريبه الثائر بها ويخاطب العرب فتقبض عليه ووجدت مخاطبات عنده شاهدة بتلك السعاية واستصفى ما كان بيده وارتحل إلى فقصة ونازلها. ووفدت عليه مشيخة العرب من رياح بالطاعة فتقبلهم ولم يزل محاصراً لقفصة إلى أن نزل على ابن المعز. وانكفأ راجعاً إلى تونس. وأنفذ عساكر العرب إلى المغرب وعقد على إفريقية والزاب للسيد أبي علي أخيه وعلى بجاية للسيد أبي موسى فقفل إلى الحضرة. معاودة الجهاد لما قفل من فتح قفصة سنة سبع وسبعين وفد عليه أخوه السيد أبو إسحاق من إشبيلية والسيد أبو عبد الرحمن يعقوب من مرسية وكافة الموحدين ورؤساء الأندلس يهنونه بالإياب فأكرم موصلهم وانصرفوا إلى بلادهم. واتصل به أن محمد بن يوسف بن وانودين غزا بالموحدين من إشبيلية إلى أرض العدو فنازل مدينة يابرة وغنم ما حولها وافتتح بعض حصونها ورجع إلى إشبيلية وإن عبد الله بن إسحاق بن جامع قائد الأسطول بإشبيلية التقى بأسطول أهل أشبونة ثم بلغ الخبر بأن اذفونس بن شانجة نازل قرطبة وشن الغارات على جهة مالقة ورندة وغرناطه. ثم نازل أسجة وتغلب على حصن شنغيلة. وأسكن بها النصارى وانصرف فاستنفر السيد أبو إسحاق سائر الناس للغزو ونازل الحصن نحو أربعين يوماً. ثم بلغه خروج أذفونش من طليطلة لمدده فانكفأ راجعاً. وخرج محمد بن يوسف بن وانودين من إشبيلية في جموع الموحدين ونازل طلبيرة وبرز إليه أهلها فأوف وانصرف بالغنائم فاعتزم الخليفة أبو يوسف على معاودة الجهاد وولى على الأندلس أبناءه وقدمهم للاحتشاد فعقد لابنه أبي إسحاق على إشبيلية كما كان ولابنه السيد أبي يحيى على قرطبة ولابنه السيد أبي زيد الحرضاني على غرناطة ولابنه السيد أبي عبد الله على مرسية. ونهض سنة تسع وسبعين إلى سلا ووافاه بها أبو محمد بن أبي إسحاق بن جامع من إفريقية بحشود العرب. وسار إلى فاس وبعث مقدمته هنتاتة وتيمنلل وحشود العرب وأجاز البحر من سبتة في صفر من سنة ثمانين فاحتل جبل الفتح وسار إلى إشبيلية فوافته بها حشود الأندلس. وسخط محمد بن وانودين وغربه إلى حصن غافق ورحل غازياً إلى شنترين فحاصرها أياماً. ثم أقلع عنها وأسحر الناس يوم إقلاعه وخرج النصارى من الحصن فوجدوا الخليفة في غير أهبة ولا أستعداد فأبلى في الجهاد هو ومن حضره وانصرفوا بعد جولة شديدة. وهلك في ذلك اليوم الخليفة يقال من سهم أصابه في حومة القتال وقيل من مرض طرقه عفا الله عنه.
لما هلك الخليفة أبو يعقوب على حصن شنترين سنة ثمانين بويع ابنه يعقوب ورجع بالناس إلى إشبيلية واستكمل البيعة. واستوزر الشيخ أبا محمد عبد الواحد بن أبي حفص واستنفر الناس للغزو مع أخيه السيد أبي يحيى فأخذ بعض الحصون وأثخن في بلاد الكفار. ثم أجاز البحر إلى الحضرة ولقيه بقصر مصمودة السيد أبو زكرياء بن السيد أبي حفص قادماً من تلمسان مع مشيخة زغبة ومضى إلى مراكش فقطع المناكر وبسط العدل وباشر الأحكام وكان أول الأحداث في دولته شأن ابن غانية. الخبر عن شأن ابن غانية كان علي بن يوسف بن تاشفين لما تغلب العدو على جزيرة ميورقة وهلك واليها من موالي مجاهد وهو مبشر وبقي أهلها فوضى وقد كان مبشر بعث إليه بالصريخ والعدو محاصر له. فلما أخذها العدو وغنم وأحرق وأقلع وبعث علي بن يوسف والياً عليها وأنور بن أبي بكر من رجالات لمتونة وبعث معه خمسمائة فارس من عسكره فأرهف لهم حده وأرادهم في بناء مدينة أخرى بعيدة من البحر فامتنعوا وقتل مقدمهم فثاروا به وحبسوه. ومضوا إلى علي بن يوسف فأعفاهم منه وولى عليهم محمد بن علي بن يحيى المسوفي المعروف بابن غانية. وكان أخوه يحيى على غرب الأندلس وكان نزله بإشبيلية. واستعمل محمد أخاه على قرطبة فكتب إليه علي بن يوسف يأمره بصرف أخيه محمد إلى ولاية ميورقة فارتحل إليها من قرطبة ومعه أولاده عبد الله وعلي وإسحاق والزبير وإبراهيم وطلحة وكان عبد الله وإسحاق في تربية عمهما يحيى وكفالته فتبناهما. ولما وصل محمد بن علي بن غانية إلى ميورقة قبض على أنور وبعثه مصفداً إلى مراكش وأقام على ذلك عشراً. وهلك يحيى بن غانية ولد ولى عبد الله ابن أخيه محمد على غرناطة وأخاه إسحاق بن محمد على قرمونة. ثم هلك علي بن يوسف وضعف أمر لمتونة وظهر عليهم الموحدون فبعث محمد عن ابنيه عبد الله وإسحاق فوصلا إليه في الأسطول وانقضى ملك لمتونة. ثم عهد محمد إلى ابنه عبد الله فنافسه أخوه إسحاق وداخل جماعة من لمتونة في قتله فقتلوه وقتلوا أباه محمداً. ثم أجمعوا على الفتك به فارتاب بهم وداخل لب بن ميمون قائد البحر في أمرهم فكبسهم في منازلهم وقتلهم. وتمت بيعته سنة ست وأربعين وخمسمائة وبقي أميراً لميورقة. واشتغل أول أمره بالبناء والغراسة وضجر منه الناس لسوء ملكته وفر عنه لب بن ميمون إلى الموحدين. ثم رجع آخراً إلى الغزو وكان يبعث بالأسرى والعلوج للخليفة أبي يعقوب إلى أن هلك قبيل مهلكه سنة ثمانين. وخئف من الولد محمداً وعلياً ويحيى وعبد الله والغازي وسير والمنصور وجبارة وتاشفين وطلحة وعمر ويوسف والحسن فولى ابنه محمد وبعث إلى الخليفة أبي يعقوب بطاعته فبعث هو علي بن الزبرتير لاختبار ذلك منه وأحس بذلك أخوته فنكروه وتقبضوا عليه وقدموا علياً منهم. وبلغهم مهلك الخليفة وولاية ابنه المنصور فاعتقلوا ابن الزبرتير وركبوا البحر في أسطولهم إلى بجاية. وولى على ميورقة أخاه طلحة وطرق بجاية في أسطوله على حين غفلة وعليها السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن وكان خارجها في بعض مذاهبه فاستولوا عليها سنة إحدى وثمانين. وتقبضوا على السيد أبي الربيع والسيد أبي موسى عمران بن عبد المؤمن صاحب إفريقية وكان بها مجتازاً واستعمل أخاه يحيى على بجاية ومضى إلى الجزائر فافتتحها وولى عليها يحيى ابن أخيه طلحة ثم إلى مليانة فولى عليها بدر بن عائشة. ونهض إلى القلعة ثم إلى قسطنطينة فنازلها. واتصل الخبر بالمنصور وهو بسبتة مرجعه من الغزو فسرح السيد أبا زيد ابن عمه السيد أبي حفص وعقد له على حرب ابن غانية. وعقد لمحمد بن أبي إسحاق بن جامع على الأساطيل وإلى نظره أبو محمد بن عطوش وأحمد الصقلي. وانتهى السيد أبو زيد إلى تلمسان وأخوه يومئذ السيد أبو الحسن واليها وقد أنعم النظر في تحصينها ثم ارتحل بعساكره من تلمسان ونادى بالعفو في الرعية فثار أهل مليانة على ابن غانية فأخرجوه وسبقت الأساطيل إلى الجزائر فملكوها وقبضوا على يحيى بن طلحة وسيق يدر ابن عائشة من أم العلو فقتلوا جميعاً بشلف. وتقدم القائد أحمد الصقلي بأسطوله إلى بجاية فملكها ولحق يحيى بن غاينة بأخيه علي بمكانه من حصار قسطنطينة فأقلع عنها. ونزل السيد أبو زيد بتكلات. وهرج السيد أبو موسى من اعتقاله فلقيه هنالك. ثم ارتحل في طلب العدو فأفرج عن قسطنطينة وخرج إلى الصحراء واتبعه الموحدون إلى مقرة ونقاوس. ثم قفلوا إلى بجاية واستقر السيد أبو زيد بها وقصد علي بن غانية قفصة فملكها ونازل توزر فامتنعت عليه ولحق بطرابلس. وخرج غزي الصنهاجي من جموع ابن غانية في بعض أحياء العرب فتغلب على أشير وسرح إليهم السيد أبو زيد ابنه أبا حفص عمر ومعه غانم بن مردنيش فأوقعوا بهم واستولوا على حللهم. وقتل غزي وسيق رأسه إلى بجاية ونصب بها وألحق به عبد الله أخوه. وغرب بنو حمدون من بجاية إلى سلا لاتهامهم بالدخول في أمر ابن غانية. واستقدم الخليفة السيد أبا زيد من مكانه ببجاية وقدم مكانه أخاه السيد أبا عبد الله وانصرت إلى الحضرة. وبلغ الخبر أثناء ذلك باستيلاء علي بن الزبرتير على ميورقة. وكان من خبره أن الأمير يوسف بن عبد المؤمن بعثه إلى ميورقة لدعاء بني غانية إلى أمره لما كان أخوهم محمد خاطبه بذلك. فلما وصل ابن الزبرتير إليهم نكروا شأنه على أخيهم واجتمعوا دونه وتقبضوا عليه وعلى ابن الزبرتير وقدموا عليهم أخاه علياً وركبوا الأساطيل إلى بجاية. فلما خلا الجو منهم دبر ابن الزبرتير في أمره وداخل مواليهم من العلوج في تخلية سبيله من معتقله على أن يخلي سبيلهم بأهليهم وولدهم إلى أرضهم فتم له مراده منهم وثار بقفصة واستنقذ محمد بن إسحاق من مكان اعتقاله ولحقوا جميعاً بالحضرة. وبلغ الخبر علي بن غانية بمكانه من طرابلس فبعث أخاه عبد الله إلى صقلية وركب منها إلى ميورقة ونزل في بعض قراها. وعمل الحيلة في تملك البلد فاستولى عليه واضطرمت نار الفتنة بإفريقية. ونازل علي بن غانية بلاد الجريد وتغلب على الكثير منها وبلغ الخبر باستيلائه على قفصة فخرج إليه المنصور من مراكش سنة اثنين وثمانين ووصل فاس فأراح بها وسار إلى رباط تازى. ثم سار على التبعية إلى تونس وجمع ابن غانية من إليه من الملثمين والأعراب وجاء معه قراقش الغزي صاحب طرابلس فسرح إليه المنصور عساكره لنظر السيد أبي يوسف بن السيد أبي حفص ولقيهم بغمرة فانفضت جموع الموحدين وانجلت المعركة عن قتل علي بن الزبرتير وأبي علي بن يغمور وفقد الوزير عمر بن أبي زيد ولحق فلهم بقفصة فأثخنوا فيهم قتلاً ونجا الباقون إلى تونس. وخرج المنصور متلافياً جبر الحال في هذه الوقائع ونزل القيروان وأغذ السير إلى الحامة فتثاور الفريقان وتزاحفوا فكانت الدبرة على ابن غانية وأحزابه وأفلت من المعركة بدماء نفسه ومعه خليله قراقش وأتى القتل على كثيرهم وصبح المنصور قابس فافتتحها ونقل من كان بها من حرم ابن غانية وذويه في البحر إلى تونس. وثنى العنان إلى توزر فافتتحها وقتل من وجد بها ثم إلى قفصة فنازلها أياماً حتى نزلوا على حكمه. وأمن أهل البلد والأغراب أصحاب قراقش وقتل سائر الملثمين ومن كان معهم من الحشود وهدم أسوارها وانكفأ راجعاً إلى تونس فعقد على إفريقية للسيد أبي زيد وفصل إلى المغرب سنة أربع وثمانين ومر بالمهدية وأسحر على طريق تاهرت والعباس بن عطية أمير بني توجين دليله على تلمسان فنكب بها عمه السيد أبا إسحاق لشيء بلغه عنه وأحفظه. ثم ارتحل إلى مراكش ورفع إليه أن أخاه السيد أبا حفص والي مرسية الملقب بالرشيد وعمه السيد أبا الربيع والي تادلا عندما بلغهم خبر الوقيعة بغمرة حدثوا أنفسهم بالتوثب على الخلافة فلما قدموا عليه للتهنئة أمر باعتقالهما برباط الفتح خلال ما استجلى أمرهما. ثم قتلهما وعقد للسيد أبي الحسن بن السيد أبي حفص على بجاية وقصد يحيى بن غانية قسطنطينة فزحف إليه السيد أبو الحسن من بجاية فهزمه ودخل قسطنطينة وارتحل ابن غانية إلى بسكرة فقطع نخلها وافتتحها عنوه. ثم حاصر قسطنطينة وامتنعت عليه فارتحل إلى بجاية وحاصرها وكثر عيثه إلى أن كان من خبره ما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.
لما بلغه تغلب العدو على قاعدة شلب وأنه أوقع بعسكر إشبيلية وترددت سراياهم على نواحيها وافتتح كثيراً من حصونها وخاطبه السيد أبو يوسف بن أبي حفص صاحب إشبيلية بذلك. استنفر الناس للجهاد وخرج سنة ست وثمانين إلى قصر مصمودة فأراح به. ثم أجاز إلى طريف وأغذ السير منها إلى شلب ووافته بها حشود الأندلس فتركهم لحصارها. وخف إلى حصن طرش فافتتحه ورجع إلى إشبيلية. ثم رجع إلى منازلة شلب سنة سبع وثمانين فافتتحه. وقدم عليه ابن وزير بعد أن كان افتتح في طريقه إليه حصوناً أخرى. ثم قفل إلى حضرته بعد استكمال غزاته. وكتب بعهده لابنه الناصر. وقدم عليه سنة ثمان وثمانين السيد أبو زيد صاحب إفريقية ومعه مشيخة العرب من هلال وسليم فلقاهم مبرة وتكريماً وانقلب وفدهم إلى بلادهم. ثم بلغه سنة تسعين استفحال ابن غانية بإفريقية وكثرة العيث والفساد بها فاعتزم على النهوض إليها ووصل إلى مكناسة فبلغه من أمر الأندلس ما أهمه فصرف وجهه إليها ووصل قرطبة سنة إحدى وتسعين فأراح بها ثلاثاً وأمداد الحشود تتلاحق به من كل ناحية. ثم ارتحل للقاء العدو ونزل بالأرك من نواحي بطليوس وزحف إليه العدو من النصارى وأمراؤهم يومئذ ثلاثة: ابن أذفونش وابن الرنك ولببوج. وكان اللقاء يوم كذا سنة إحدى وتسعين. وأبو محمد ابن أبي حفص يومئذ على المطوعة وأخوه أبو يحيى على العساكر والموحدين فكانت الهزيمة المشهورة على النصارى واستلحم منهم ثلاثون ألفاً بالسيف. واعتصم فلهم بحصن الأرك وكانوا خمسة آلاف من زعمائهم فاستنزلهم المنصور على حكمه وفودي بهم عددهم من المسلمين. واستشهد في هذا اليوم أبو يحيى بن الشيخ أبي حفص بعد أن أبلى بلاء حسناً وعرف بنوه بعدها ببني الشهيد. وانكفأ المنصور راجعاً إلى إشبيلية. ثم خرج منها سنة اثنتين وتسعين غازياً إلى بلاد الجوف فافتتح حصوناً ومدناً وخربها كان مها ترجالة وطلبيرة. وأطل على نواحي طليطلة فخرب بسائطها واكتسح مسارحها وقفل إلى إشبيلية سنة ثلاث وتسعين فرفع إليه في القاضي أبي الوليد بن رشد مقالات نسب فيها إلى المرض في دينه وعقله. وربما ألف بعضها في خطه فحبس. ثم أطلق وأشخص إلى الحضرة وبها كانت وفاته. ثم خرج المنصور من إشبيلية غازياً إلى بلاد ابن أذفونش حتى احتل بساحة طليطلة وبلغه أن صاحب برشلونة أمد ابن أذفونش بعساكره وأنهم جميعاً بفحص مجريط فنهض إليهم. ولما أطل عليهم انفضت جموع ابن أذفونش من قبل القتال وانكفأ المنصور راجعاً إلى إشبيلية. ثم رغب إليه الملوك النصرانية في السلم فبذله لهم. وعقد على إشبيلية للسيد أبي زيد ابن الخليفة. وعلى مدينة بطليوس للسيد أبي الربيع بن السيد أبي حفص وعلى المغرب للسيد أبي عبد الله بن السيد أبي حفص. وأجاز إلى حفص. وأجاز إلى حضرته سنة أربع وتسعين فطرقه المرض الذي كان منه حمامه وأوصى وصيته التي تناقلها الناس. وحضر لوصيته عيسى ابن الشيخ أبي حفص. وهلك رحمه الله سنة خمس وتسعين آخر ربيعها والله تعالى أعلم.
كان الفرنج قد ملكوا سواحل الشام في آخر الدولة العبيدية منذ تسعين سنة وملكوا بيت المقدس فلما استولى صلاح الدين بن أيوب على ديار مصر والشام اعتزم على جهادهم. وكان يفتتح حصونها واحداً بعد واحد حتى أتى على جميعها. وافتتح بيت المقدس سنة ثلاث وثمانين وهدم الكنيسة التي بنوها عليها. وامتعضت أمم النصرانية من كل جهة واعترضوا أسطول صلاح الدين في البحر فبعث صريخه إلى المنصور سنة خمس وثمانين يطلب إعانته بالأساطيل لمنازلة عكا وصور وطرابلس. ووفد عليه أبو الحارث عبد الرحمن بن منقذ بقية أمراء شيزر من حصون الشام. كانوا استبدوا به عند اختلال الدولة العبيدية. فلما استقام الأمر على يد صلاح الدين وانتظم ملك مصر والشام واستنزل بني منقذ هؤلاء ورعى لهم سابقتهم وبعثه في هذه إلى المنصور بالمغرب بهدية تشتمل على مصحفين كريمين منسوبين ووزن مائة درهم من دهن البلسان وعشرين رطلا من العود وستمائة مثقال من المسك والعنبر وخمسين قوساً أعرابية بأوتارها وعشرين من النصول الهندية وسروج عدة ثقيلة. ووصل إلى المغرب ووجد المنصور بالأندلس فانتظره بفاس إلى حين وصوله فلقيه وأدى إليه الرسالة فاعتذر له عن الأسطول وانصرف. ويقال أنه جهز له بعد ذلك مائة وثمانين أسطولا ومنع النصارى من سواحل الشام. دولة الناصر بن المنصور لما هلك المنصور قام بأمره ابنه محمد ولي عهده وتلقب الناصر لدين الله. واستوزر أبا زيد بن يوجان وهو ابن أخي الشيخ أبي حفص. ثم استوزر أبا محمد بن الشيخ أبي حفص وعقد للسيد أبي الحسن بن السيد أبي حفص على بجاية وفوض إليه في شؤونها. وبلغه سنة ست وتسعين إجحاف العدو بإفريقية وفساد الأعراب في نواحيها ورجوع السيد أبي الحسن من قسطنطينة منهزماً أمام ابن غانية فأنفذ السيد أبا زيد بن أبي حفص إلى تونس في عسكر من الموحدين لسد ثغورها. وأنفذ أبا سعيد بن الشيخ أبي حفص رديفاً له وتغلب ابن غانية خلال ذلك على حصن المهدية. وثار بالسوس سنة ثمان وتسعين ثائر من كزولة يعرف بأبي قفصة فسرح الناصر إليه عساكر الموحدين فقصدوا جموعه وقتل. وفي أيامه كان فتح ميورقة على ما يتلو من خبرها.
وكان من خبرها أن محمد بن إسحاق لما فصل أخوته علي ويحيى إلى إفريقية وولوا على ميورقة أخاهم طلحة داخل محمد بعض الحاشية وخرج من الاعتقال هو وابن الزبرتير وقام بدعوة المنصور وبعث بها مع ابن الزبرتير فبعث المنصور أسطوله مع أبي العلى بن جامع ليملك ميورقة فأبى محمد عن ذلك. وراسل طاغية برشلونة في المدد بجند من النصارى يستخدمهم فأجابه وانتقض عليه أهل ميورقة لذلك وخشوا عادية المنصور فطردوا محمد بن إسحاق وولوا عليهم أخاه تاشفين. وبلغ ذلك علياً وهو على قسطنطينة فبعث أخويه عبد الله والغازي فداخلوا بعض أهل البلد وعزلوا تاشفين وولي عبد الله وبعث المنصور أسطوله مراراً مع أبي العلى بن جامع. ثم مع يحيى ابن الشيخ أبي إبراهيم الهزرجي فامتنعوا منهم وقتلوا منهم خلقاً كثيراً. وقوي أمره وذلك سنة ثلاث وثمانين. ثم لما هلك المنصور بعث الناصر أسطوله مع عمه السيد أبي العلى والشيخ أبي سعيد بن أبي حفص فنازلوه وانخذل عنه أخوه تاشفين بالناس ودخل البلد عنوة واستفتحت وقتل. وانصرف السيد إلى مراكش وولى عبد الله بن طاع الله الكومي. ثم ولى الناصر عليها أبا زيد وجعل ابن طاع الله على قيادة البحر. وبعد السيد أبي زيد وليها السيد أبو عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن ثم أبو يحيى بن علي بن أبي عمران التينمللي ومن يده أخذها النصارى لسنة سبع وعشرين وستمائة.
وولاية أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص لما هلك المنصور قوي أمر ابن غانية بإفريقية وولى الناصر السيد أبا زيد والشيخ أبا سعيد بن أبي حفص ويقال إن المنصور ولاهما وكثر الهرج بإفريقية. وثار بالمهدية محمد بن عبد الكريم الركراكي ودعا لنفسه ونازع ابن غانية والموحدين الأمر وتسمى صاحب قبة الأديم محمد بن عبد الكريم. ونازل تونس وعاث في قراها سنة ست وتسعين. ونازل ابن غانية بقابس فامتنع عليه وكان محمد بن مسعود البلط شيخ رياح من أشياعه فانتقض عليه وراجع ابن غانية فلأتيح له الظهور على محمد بن عبد الكريم وقصده وهو على قفصة فهزمه. واتبعه إلى المهدية فنازله بها. وبعث إلى صاحب تونس إلى المدد بأسطوله فأمده فضاقت حال ابن عبد الكريم فسأل الأمان من ابن غانية فأمنه. وخرج إليه فتقبض عليه واستولى على المهدية سنة تسع وتسعين وقتله. وبعث الناصر أسطوله في البحر مع عمه أبي العلى وعساكر الموحدين مع السيد أبي الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن. ونازلوا ابن عبد الكريم قبل استيلاء ابن غانية عليها فاعتذر ابن عبد الكريم بأنه حافظ للحصن من العدو ولا يمكنه إلا لثقة الخليفة. وانصرف السيد أبو الحسن إلى بجاية موضع عمله وقسم العسكر بينه وبين أخيه السيد أبي زيد صاحب تونس وصلحت الأحوال. ثم إن ابن غانية لما تغلب على المهدية وعلى قراقثس الغزي صاحب عمل طرابلس وقد مرت أخباره في أخبار ابن غانية. ثم تغلب بلاد الجريد ثم نازل تونس سنة تسع وتسعين وافتتحها عنوة وتقبض على السيد أبي زيد وطالب أهل تونس بالنفقة التي أنفق وبسط عليهم العذاب. وتولى ذلك فيهم كاتبه ابن عصفور حتى هلك في الامتحان كثير من بيوتاتهم. ثم دخل في دعوته أهل بونة وبنزرت وشقبنارية والأربص والقيروان وتبسة وصفاقس وقابس وطرابلس. وانتظمت له أعمال إفريقية وفرق العمال وخطب للعباسي كما ذكرناه في أخباره. ثم ولى على تونس أخاه الغازي ونهض إلى جبال طرابلس فأغرمهم ألف ألف دينار مكررة مرتين ورجع إلى تونس. واتصل بالناصر كثرة الهرج بإفريقية و استيلاء ابن غانية عليها وحصول السيد أبي زيد في قبضته فشاور الموحدين في أمره فأشاروا بمسألة ابن غانية. وأشار أبو محمد ابن الشيخ أبي حفص بالنهوض إليها والمدافعة عنها فعمل على رأيه ونهض من مراكش سنة إحدى وستمائة. وبعث الأسطول في البحر لنظر أبي يحيى بن أبي زكرياء الهزرجي فبعث ابن غانية ذخيرته وحرمه إلى المهدية مع علي بن الغازي بن محمد بن علي. وانتقض أهل طرابلس على ابن غانية وأخرجوا عاملهم تاشفين بن الغازي بن محمد بن علي بن غانية. وقصدهم ابن غانية فاقتحمها وخربها. ووصل أسطول الناصر إلى تونس فدخلوها وقتلوا من كان بها من أشياع ابن غانية ونهض الناصر في أتباع ابن غانية فأعجزه ونازل المهدية وبعث أبا محمد ابن الشيخ أبي حفص للقاء ابن غانية فلقيه بتاجرا فأوقع به وقتل أخاه جبارة. وكاتبه ابن اللمطي وعامله الفتح بن محمد. قال ابن نخيل: وكانت الغنائم من عسكره يومئذ ثمانية عشر ألفاً من أحمال المال والمتاع والخرثى والآلة. ونجا بأهله وولده وأطلق السيد أبو زيد الاعتقال بعد أن هم حرسه بقتله عند الهزيمة. ثم تسلم الناصر المهدية من يد علي بن الغازي المعروف بالحاج الكافي على أن يلحق بابن عمه فقبل شرطه ومضى لوجهه. ثم رجع من طريقه واختار التوحيد فقبل وناله من الكرامة والتقريب ما لا فوقه. وهلك في يوم العقاب الآتي ذكره. ثم قوض الناصر عن المهدية واستعمل عليها محمد بن يغمور الهرغي وعلى طرابلس عبد الله بن إبراهيم بن جامع ورجع إلى تونس فأقام إلى سنة ثلاث وستمائة. وسرح أخاه السيد أبي إسحاق في عسكر من الموحدين لأتباع العدو فدوخوا ما وراء طرابلس. واستأصلوا بني دمر ومطماطة وجبال نفوسة وتجاوزها إلى سويقة بني مذكور. وقفل السيد أبو إسحاق بهم إلى أخيه الناصر بتونس وقد كمل الفتح. ثم اعتزم على الرحيل إلى المغرب وأجمع رأيه على تولية أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص وكان شيخ دولته وصاحب رأيه فامتنع إلى أن بعث إليه الناصر في ذلك بابنه يوسف فأكبر مجيئه وأناب لذلك على أن يقيم بإفريقية ثلاث سنين خاصة خلال ما يستحكم صلاحها وأن يحكم فيمن يقيم معه من العسكر فتقبل شرطه. ورجع الناصر إلى مراكش فدخلها في ربيع سنة أربع وستمائة وقدم عبد العزيز بن أبي زيد الهنتاتي على الأشغال بالعدوتين وكان على الوزارة أبو سعيد بن جامع وكان صديقاً لابن عبد العزيز. وعند مرجعه من إفريقية توفي السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن صاحب تلمسان وسجلماسة والسيد أبو الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن صاحب بجاية وقد كان أبو الربيع هذا ولي بجاية من قبل وهو الذي جدد الرفيع والبديع من رياضها. وكان بنو حماد شيدوها من قبل فأصابهما الخراب وجددهما السيد أبو الربيع. وفي سنة خمس بعدها عقد للسيد أبي عمران بن يوسف بن عبد المؤمن على تلمسان أدال به من السيد الحسن فوصل إلى تلمسان في عساكر الموحدين وتطوف بأقطارها. وزحف إليه ابن غانية هنالك فانفض الموحدون وقتل السيد أبو عمران. وارتاع أهل تلمسان وأسرع السيد أبو زكرياء من فاس إليها فسكن نفوسهم خلال ما عقد الناصر لأبي زيد بن يوجان على تلمسان وسرحه في العساكر فنزل بها. وفر ابن غانية إلى مكانه من قاصية إفريقية ومعه محمد بن مسعود البلط شيخ الدواودة من رياح وغيره من أعراب رياح وسليم. واعترضهم أبو محمد بن أبي حفص فانكشفوا واستولى الموحدون على محلاتهم وما بأيديهم ولحقوا بجهات طرابلس. ورجع عنهم سير بن إسحاق آخذاً بدعوة الموحدين. وفي هذه السنة عقد الناصر على جزيرة ميورقة لأبي يحيى بن أبي الحسن بن أبي عمران أدال به من السيد أبي عبد الله بن أبي حفص وعقد له على بلنسية وعقد على مرسية لأبي عمران بن ياسين الهنتاتي أدال به من أبي الحسن به واكاك. وعقد للسيد أبى زيد على كورة جيان أدال به من أبي موسى بن أبي حفص وعقد للسيد أبي إبراهيم بن يوسف على إشبيلية ولأبي عبد الله بن أبي يحيى ابن الشيخ أبي حفص على غرناطة إلى أن كان ما نذكر إن شاء الله تعالى. لما بلغ الناصر تغلب العدو على كثير من حصون بلنسية أهمه ذلك وأقلقه وكتب إلى الشيخ أبي محمد بن أبي حفص يستشيره في الغزو فأبى عليه فخالفه وخرج من مراكش سنة تسع ووصل إشبيلية واستقر بها واستعد للغزو. ثم خرج من إشبيلية وقصد بلاد أذفونش فافتتح قلعة شلبطرة وأثلج في طريقه. ونازل الطاغية قلعة رباح وبها قادس وأخذ بمخنقه فصالحه على النزول ووصل إلى الناصر فقتله وسار على التعبئة إلى الموضع المعروف بالعقاب. وقد استعد له الطاغية وجاءه طاغية برشلونه مدداً فكانت الدبرة على المسلمين. وانكشفوا في يوم بلاء وتمحيص أواخر صفر سنة تسع وستمائة. وانكفأ راجعاً إلى مراكش فهلك في شعبان من السنة بعدها. وكان ابن أذفونش قد باطن ابن عمه الببوج صاحب ليون في أن يوالي للناصر ويجري الهزيمة على المسلمين ففعل ذلك. ثم رجعوا إلى الأندلس بعد الكائنة للإغارة على بلاد المسلمين فلقيهم السيد أبو زكرياء بن أبي حفص بن عبد المؤمن قريباً من إشبيلية فهزمهم وانتعش المسلمون بها واتصلت الحال على ذلك.
|